الْغِيبَةِ.
وَالزَّجْرُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا : أَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ، فَكَذَلِكَ الْغِيبَةُ.
وَالثَّانِي : أَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُ أَكْلَ لَحْمِ الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ، فَلْتَكُنْ الْغِيبَةُ عَنْكُمْ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَلُزُومِ اجْتِنَابِهِ مِنْ جِهَةِ مُوجِبِ الْعَقْلِ ؛ إذْ كَانَتْ دَوَاعِي الْعَقْلِ أَحَقَّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ دَوَاعِي الطَّبْعِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذِكْرِ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ حَتَّى جَعَلَهُ أَخَاهُ، وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي التَّقْبِيحِ وَالزَّجْرِ، فَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا تَكْذِيبُ قَاذِفِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ مَهْتُوكًا فَاسِقًا فَإِنَّ ذِكْرَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى سَامِعِهِ النَّكِيرُ عَلَى قَائِلِهِ.
وَوَصْفُهُ بِمَا يَكْرَهُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا : ذِكْرُ أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ.
وَالْآخَرُ : وَصْفُ خِلْقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُشِينًا عَلَى جِهَةِ الِاحْتِقَارِ لَهُ وَتَصْغِيرِهِ لَا عَلَى جِهَةِ ذَمِّهِ بِهَا وَلَا عَيْبِ صَانِعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا رَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ فِي وَصْفِهِ الْحَجَّاجَ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ وَصْفُ قَوْمٍ فِي الْجُمْلَةِ بِبَعْضِ مَا إذَا وُصِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ كَانَ غِيبَةً مَحْظُورَةً، ثُمَّ لَا يَكُونُ غِيبَةً إذَا وُصِفَ بِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ.
كَمَا رَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ﴿ : جَاءَ رِجْلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً قَالَ : هَلْ نَظَرْت إلَيْهَا ؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا ﴾، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً ؛ وَجَعَلَ وَصْفَ عَائِشَةَ الرَّجُلَ بِالْقِصَرِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا غِيبَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ لَا عَلَى جِهَةِ الْعَيْبِ، وَهُوَ كَمَا