الظِّهَارُ فَقَالَ :﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾ قَبْلَ هَذِهِ الْحَالِ ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ وَالْمَعْنَى : وَيَعُودُونَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ ﴾ وَمَعْنَاهُ : وَاَللَّهُ شَهِيدٌ، فَيَكُونُ نَفْسُ الْقَوْلِ عَوْدًا إلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ :﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾.
وَالْمَعْنَى : حَتَّى صَارَ كَذَلِكَ، وَكَمَا قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ : هَذِي الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالًا مَعْنَاهُ : صَارَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الثَّدْيِ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ وَكَمَا قَالَ لَبِيدٌ : وَمَا الْمَرْءُ إلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ وَيَحُورُ يَرْجِعُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هَهُنَا يَصِيرُ رَمَادًا.
كَذَلِكَ :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إلَى حَالِ الظِّهَارِ الَّذِي كَانَ يَكُونُ مِثْلُهُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الظِّهَارِ إيجَابُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ مُوَقَّتًا بِالْكَفَّارَةِ، فَإِذَا كَانَ الظِّهَارُ مَخْصُوصًا بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ هُوَ الْعَوْدَ إلَى اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ بِالظِّهَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ : يَعُودُونَ لَلْمَقُولِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ﴾، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ فِي الْمَوْهُوبِ، وَكَقَوْلِنَا : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَجَاؤُنَا، أَيْ مَنْ رَجَوْنَا ؛ وَقَالَ - تَعَالَى - :﴿ وَاعْبُدْ رَبَّك حَتَّى يَأْتِيَك الْيَقِينُ ﴾ يَعْنِي : الْمُوقِنَ بِهِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : أَخْبِرْ مَنْ لَاقَيْت أَنْ قَدْ وَفَيْتُمْ وَلَوْ شِئْت قَالَ الْمُنَبِّئُونَ أَسَاءُوا، وَإِنِّي لَرَاجِيكُمْ عَلَى بُطْءِ سَعْيِكُمْ كَمَا فِي بُطُونِ الْحَامِلَاتِ رَجَاءُ يَعْنِي مَرْجُوًّا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :{ ثُمَّ يَعُودُونَ