وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لِلِاسْتِئْنَافِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لِلْجَمْعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ وَيَنْتَظِمُهُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَصِيرُ الْكُلُّ كَالْمَذْكُورِ مَعًا، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى :﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ إلَى آخِرِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَمْرٌ، كَأَنَّهُ قَالَ : فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ تَضَمَّنَهُ لَفْظُ الْأَمْرِ فَصَارَتْ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُنْتَظِمَةِ لِهَذِهِ الْأَوَامِرِ.
وَأَمَّا آيَةُ الْقَذْفِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا أَمْرٌ وَآخِرَهَا خَبَرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَظِمَهُمَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ فَلِذَلِكَ كَانَتْ ( الْوَاوُ ) لِلِاسْتِئْنَافِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ دُخُولُ مَعْنَى الْخَبَرِ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ :﴿ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَغَيْرُ عَائِدٍ إلَى الْخَبَرِ الَّذِي يَلِيهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُزِيلُ عَذَابَ الْآخِرَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ مَشْرُوطَةٌ لِلْحَدِّ دُونَ عَذَابِ الْآخِرَةِ.
وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بُطْلَانُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْفِسْقِ أَوْ يَكُونَ حُكْمًا عَلَى حِيَالِهِ تَقْتَضِي الْآيَةُ تَأْبِيدَهُ، فَلَمَّا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى بُطْلَانِهَا بِلُزُومِ سِمَةِ الْفِسْقِ يُبْطِلُ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ ؛ إذْ كَانَ ذِكْرُ التَّفْسِيقِ مُقْتَضِيًا لِبُطْلَانِهَا إلَّا بِزَوَالِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِرَأْسِهِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِسِمَةِ الْفِسْقِ وَلَا بِتَرْكِ التَّوْبَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ كَلَامٍ فَحُكْمُهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَغَيْرُ جَائِزٍ تَضْمِينُهُ