وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ بَدِيًّا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ وَالتَّوْبَةُ تُزِيلُ الْعُقُوبَةَ وَتُوجِبُ الْعَدَالَةَ وَالْوِلَايَةَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَكُونُ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِحْنَةِ، كَمَا لَا تَكُونُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَلَى جِهَةِ الْعُقُوبَةِ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِحْنَةِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى وَشَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ ؟ فَلَيْسَ بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ فِي الْأُصُولِ مَوْقُوفًا عَلَى الْفِسْقِ وَعَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى يُعَارَضَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْت.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ لَا تُوجِبُ جَوَازَ شَهَادَتِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ بِالْجَلْدِ وَجَلْدِهِ إيَّاهُ وَلَمْ تَبْطُلْ بِقَذْفِهِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ، فَلَمَّا تَعَلَّقَ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَمْ يَجْرِ إجَازَتُهَا إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِجَوَازِهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَنْهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ كَالْإِمْلَاكِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ تَوْبَتُهُ مِمَّا تَصِحُّ الْخُصُومَةُ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ لَمْ يَجُزْ لَنَا إبْطَالُ مَا قَدْ ثَبَتَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
فَإِنْ قِيلَ : فُرْقَةُ اللِّعَانِ وَالْعِنِّينِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيَعُودَ النِّكَاحُ، فَكَذَلِكَ بُطْلَانُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ شَهَادَتِهِ عِنْدَ تَوْبَتِهِ