رَجُلًا عَلَى زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ :( قَدْ شَهِدَ عِنْدِي شُهُودٌ بِذَلِكَ ) أَوْ قَالَ :( أُقِرَّ عِنْدِي بِذَلِكَ ) فَإِنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَيَسَعُ مَنْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالرَّجْمِ وَالْقَطْعِ أَنْ يَرْجُمَ وَيَقْطَعَ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ لَنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾، وَقَوْلُهُ :﴿ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ﴾ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ :﴿ فَلْيُقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا دَلَالَةَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ وَقَوْلِهِ :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، فَالْمُخَاطَبُونَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ هُمْ الْأَئِمَّةُ وَسَائِرُ النَّاسِ مُخَاطَبُونَ بِرَفْعِهِمْ إلَيْهِمْ حَتَّى يُقِيمُوا عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ﴾ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ جَلْدٍ حَدًّا ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ فَإِذَا عَزَّرْنَاهَا فَقَدْ قَضَيْنَا عُهْدَةَ الْخَبَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَجْلِدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ :( لَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ) يَعْنِي : وَلَا يُعَيِّرْهَا.
وَمِنْ شَأْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي


الصفحة التالية
Icon