كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَلِفًا، فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ بِجَوَازِ قَبُولِ الْيَمِينِ مِنْهُمَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْآيَةِ وَلِلسُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ وَقَالَ :﴿ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ﴾ وَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِخْبَارِ دُونَ إيرَادِهِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَمَرَهُمَا بِاللِّعَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى لَفْظِ الْيَمِينِ دُونَهَا، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ شَرْطَ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَيُلَاعِنَانِ.
فَإِنْ قِيلَ : الْفَاسِقُ وَالْأَعْمَى لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَيُلَاعِنَانِ قِيلَ لَهُ : الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْفِسْقَ الْمُوجِبَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادَ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِبُطْلَانِ شَهَادَتِهِ ؛ إذْ الْفِسْقُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ، فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ.
وَالثَّالِثُ : أَنَّ فِسْقَهُ فِي حَالِ لِعَانِهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ ؛ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَائِبًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونَ عَدْلًا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ يَسْتَحِقُّ بِهَا عَلَى الْغَيْرِ فَتُرَدُّ مِنْ أَجْلِ مَا عُلِمَ مِنْ ظُهُورِ فِسْقِهِ بَدِيًّا، فَلَمْ يَمْنَعْ فِسْقُهُ مِنْ قَبُولِ لِعَانِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَرْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكُفْرُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا إلَّا بِإِظْهَارِهِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَكَانَ حُكْمُ كُفْرِهِ بَاقِيًا مَعَ