بَابُ الْقَذْفِ الَّذِي يُوجِبُ اللِّعَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ الْآيَةَ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَذْفُ الْأَجْنَبِيَّاتِ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَا سَوَاءٌ قَالَ :( زَنَيْت ) أَوْ قَالَ :( رَأَيْتُك تَزْنِينَ )، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ رَمْيُهَا بِالزِّنَا.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ الْقَذْفِ الْمُوجِبِ لِلِّعَانِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيُّ :( إذَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ اللِّعَانُ ).
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ :( لَا يُلَاعِنُ إلَّا أَنْ يَقُولَ رَأَيْتُك تَزْنِينَ أَوْ يَنْفِيَ حَمْلًا بِهَا أَوْ وَلَدًا مِنْهَا، وَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ).
وَقَالَ اللَّيْثُ :( لَا تَكُونُ مُلَاعَنَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ رَأَيْت عَلَيْهَا رَجُلًا أَوْ يَقُولَ قَدْ كُنْت اسْتَبْرَأْت رَحِمَهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ عَلَى مَا قَالَ ) وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ :( إذَا قَالَ رَأَيْتهَا تَزْنِي لَاعَنَهَا وَإِنْ قَذَفَهَا وَهِيَ بِخُرَاسَانَ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا كَرَامَةَ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي إيجَابَ اللِّعَانِ بِالْقَذْفِ سَوَاءٌ قَالَ رَأَيْتُك تَزْنِينَ أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَهُوَ رَامٍ لَهَا سَوَاءٌ ادَّعَى مُعَايَنَةَ ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِيَانَ وَأَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ قَاذِفَ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُعَايَنَةَ أَوْ يُطْلِقَهُ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الزَّوْجِ فِي قَذْفِهِ إيَّاهَا، إذْ كَانَ اللِّعَانُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَذْفِ كَالْجَلْدِ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ أُقِيمَ مَقَامَ الْجَلْدِ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِيمَا


الصفحة التالية
Icon