يُمْكِنُهُ فِيهَا نَفْيُ الْوَلَدِ وَكَانَ مِنْهُ قَبُولٌ لِلتَّهْنِئَةِ أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَافٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْفِيَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَحْدِيدُ الْوَقْتِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ، وَاعْتُبِرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ظُهُورِ الرِّضَا بِالْوَلَدِ وَنَحْوِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ رِضًا بِإِسْقَاطِهَا كَانَ كَذَلِكَ نَفْيُ الْوَلَدِ.
قِيلَ لَهُ : قَدْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ فِي ذَلِكَ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا بِالْقَوْلِ، إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَأَكْثَرُ مَنْ وَقَّتَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذَلِكَ لَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ هِيَ مُدَّةُ أَكْثَرِ النِّفَاسِ، وَحَالُ النِّفَاسِ هِيَ حَالُ الْوِلَادَةِ، فَمَا دَامَتْ عَلَى حَالِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ نَفْيِهِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالنِّفَاسِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ :( إنَّهُ إذَا رَآهَا حَامِلًا فَلَمْ يَنْتَفِ مِنْهُ ثُمَّ نَفَاهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ الْحَدَّ ) فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَاهٍ لَا وَجْهَ لَهُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ فَيُعْتَبَرُ نَفْيُهُ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ بِآكَدَ مِمَّنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَمْلِ فَعَلِمَ بِهِ وَسَكَتَ زَمَانًا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ وَلَمْ يَنْتَفِ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ ؛ إذْ لَمْ تَكُنْ صِحَّةُ اللِّعَانِ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إكْذَابٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ النَّفْيِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ الْآيَةُ، فَأَوْجَبَ اللِّعَانَ بِعُمُومِ الْآيَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ فِيمَا