بَابُ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : اتَّفَقَ الْجَمِيعُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى :" لَا سُكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ إنَّمَا هِيَ لِلرَّجْعِيَّةِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ قَدْ انْتَظَمَ الرَّجْعِيَّةَ وَالْمَبْتُوتَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلْعِدَّةِ إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا بِالْآيَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا ﴾، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ الْبَائِنَ، ثُمَّ قَالَ :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ وَجَبَ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ مِنْ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ وَقَالَ :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجْعِيَّ قِيلَ لَهُ : هَذَا أَحَدُ مَا انْتَظَمَتْهُ الْآيَةُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْخِطَابِ فِي الرَّجْعِيِّ دُونَ الْبَائِنِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ.
ثُمَّ قَوْلُهُ :﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ﴾ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ خَاصٌّ فِي الرَّجْعِيِّ، وَلَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ عَامًّا فِي الْجَمِيعِ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِ نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ