الْمُتَوَفَّى إنَّمَا يَثْبُتُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عَلَى الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِثْلَ الْجِنَايَاتِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ إذَا وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ وَالنَّفَقَةُ خَارِجَةٌ عَنْ الْوَجْهَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُهَا فِي مَالِهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ تَعَلُّقُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَعَدَمُ مَالِهِ بِزَوَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ قَدْ زَالَ إلَى الْوَرَثَةِ ؟ فَلَمْ يَبْقَ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ وَجْهٌ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ الْحَامِلِ لَا نَفَقَةَ لَهَا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُطَلَّقَةِ، كَمَا كَانَ قَوْلُهُ :﴿ وَأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ عُمُومًا فِي الصِّنْفَيْنِ ؛ قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ خِطَابٌ لَهُمْ، وَقَدْ زَالَ عَنْهُمْ الْخِطَابُ بِالْمَوْتِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِغَيْرِ الْأَزْوَاجِ، فَلَمْ تَقْتَضِ الْآيَةُ إيجَابَ نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِحَالٍ.


الصفحة التالية
Icon