وقَوْله تَعَالَى - :﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْفَيْءِ فَجَعَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ بَيَانِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْفَيْءِ الَّذِي أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ، وَهُمْ الْأَصْنَافُ الْخَمْسُ الْمَذْكُورُونَ فِي غَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْغَانِمَيْنِ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَقَالَ قَتَادَةُ :" كَانَتْ الْغَنَائِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾.
" قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمَّا فَتَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعِرَاقَ سَأَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قِسْمَتَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَبِلَالٌ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ : إنْ قَسَمْتهَا بَيْنَهُمْ بَقِيَ آخِرُ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ ؛ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾، وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْقِسْمَةِ، وَأَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَافَقَتْهُ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ بِالْآيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَأَنَّهَا مَضْمُومَةٌ إلَى آيَةِ الْغَنِيمَةِ فِي الْأَرْضِينَ الْمُفْتَتَحَةِ، فَإِنْ رَأَى قِسْمَتَهَا أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَسَمَ، وَإِنْ رَأَى إقْرَارَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا، وَأَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْهُمْ فِيهَا فَعَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةَ الْحُكْمِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ الْآخَرُ وَالْأَوَّلُ فِيهَا لَذَكَرُوهُ لَهُ وَأَخْبَرُوهُ بِنَسْخِهَا، فَلَمَّا لَمْ يُحَاجُّوهُ بِالنَّسْخِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا