حَازِمٍ قَالَ : كُنَّا رُبُعَ النَّاسِ فَأَعْطَانَا عُمَرُ رُبُعَ السَّوَادِ فَأَخَذْنَاهُ ثَلَثَ سِنِينَ.
ثُمَّ وَفَدَ جَرِيرٌ إلَى عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ : وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ، فَأَرَى أَنْ تَرُدُّوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفَعَلَ، فَأَجَازَهُ عُمَرُ بِثَمَانِينَ دِينَارًا، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ قَوْمِي صَالَحُوك عَلَى أَمْرٍ وَلَسْتُ أَرْضَى حَتَّى تَمْلَأَ كَفِي ذَهَبًا وَتَحْمِلَنِي عَلَى جَمَلٍ ذَلُولٍ وَتُعْطِيَنِي قَطِيفَةً حَمْرَاءَ، قَالَ : فَفَعَلَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَلَّكَهُمْ رِقَابَ الْأَرْضِينَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ رُبُعَ الْخَرَاجِ ثُمَّ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلَى أُعْطِيَّاتِهِمْ دُونَ الْخَرَاجِ ؛ لِيَكُونُوا أُسْوَةً لِسَائِرِ النَّاسِ.
وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ بِاسْتِطَابَةٍ مِنْهُ لِنُفُوسِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّهُ رَأَى رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ غَيْرُهُ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ أَعْطَاهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَائِزًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السَّوَادِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :" إنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةٌ " فَفَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِجَارَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمُدَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا، فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَإِنَّ إجَارَةَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُتْرَكَ رِقَابُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَا تُتْرَكَ أَرَاضِيهِمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَأَيْضًا لَوْ كَانُوا عَبِيدًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ رِقَابِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبِيدَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ إجَارَةَ النَّخْلِ