وَسَلَّمَ إذَا هَاجَرْنَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى امْتِحَانَهُنَّ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ غَيْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَضْرَتِهِمْ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ الْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ الظَّاهِرُ لَا حَقِيقَةُ الْيَقِينِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ :﴿ إنَّ ابْنَك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ يَعْنُونَ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَرَقَ فِي الْحَقِيقَةِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ ؟، وَإِنَّمَا حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ جِهَةِ الظَّاهِرِ لَمَّا وَجَدُوا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِهِ ؛ وَهُوَ مِثْلُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةُ قَدْ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِالْحُكْمِ بِهَا مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ وَحَمْلِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَقَدْ أَلْزَمَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبُولَ قَوْلِ مَنْ أَظْهَرَ لَنَا الْإِيمَانُ وَالْحُكْمَ بِصِحَّةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
وَهَذَا أَصْلٌ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ مَنْ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ حَالِهِ، مِثْلُ الْمَرْأَةِ إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَحَبَلِهَا، وَمِثْلُ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ :" أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْتِ " أَوْ قَالَ :" إذَا طَهُرْتِ " فَيَكُونُ قَوْلُهَا مَقْبُولًا فِيهِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ :﴿ إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ ﴾ فَقَالَ عَطَاءٌ : مَا عَلِمْنَا إيمَانَهُنَّ إلَّا بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِنَّ ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ : امْتِحَانُهُنَّ مَا خَرَجْنَ إلَّا لِلدِّينِ وَالرَّغْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُبِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ.


الصفحة التالية
Icon