بَابُ وُجُوبِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ السَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ ذِكْرًا وَاجِبًا يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ :﴿ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ مَوْعِظَةَ الْإِمَامِ " وَقَالَ عُمَرُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا :" إنَّمَا قَصُرَتْ الْجُمُعَةُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ " وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ، فَالْمُهَجِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي شَاةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً ﴾ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هَهُنَا هُوَ الْخُطْبَةُ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الَّتِي تَلِي النِّدَاءَ، وَقَدْ أَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْطُبْ صَلَّى أَرْبَعًا، مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَوْ بَعْضَهَا، فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا " وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ قَالُوا : مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا " وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ : ذُكِرَ لَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَوْلُ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا، قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ.