وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ أَنَّ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ مَخْصُوصٌ بِالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ الْمُقِيمِينَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَاجِزِينَ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ أَرْبَعَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ : الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ ﴾ وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ :" لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ " وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْعَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بِنَفْسِهِ إلَّا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :" عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ " وَفَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقْعَدِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَهْتَدِي الطَّرِيقَ فَإِذَا هُدِيَ سَعَى بِنَفْسِهِ، وَالْمُقْعَدُ لَا يُمْكِنُهُ السَّعْيُ بِنَفْسِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْمِلُهُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْأَعْمَى وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ وَهُوَ بَصِيرٌ إذَا أُرْشِدَ اهْتَدَى بِنَفْسِهِ وَالْأَعْمَى لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ بِالْإِرْشَادِ وَالدَّلَالَةِ، وَيُحْتَجُّ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِحَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﴿ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ يُلَازِمُنِي أَفَلِي رُخْصَةٌ أَنْ لَا آتِيَ الْمَسْجِدَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا ﴾ وَفِي خَبَرِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ نَحْوُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : فَأْتِهَا ﴾.