وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ، فَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ :" أَنَّ الْبَيْعَ يَحْرُمُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ " وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ :" يَحْرُمُ بِالنِّدَاءِ " وَقَدْ قِيلَ : إنَّ اعْتِبَارَ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى، ؛ إذْ كَانَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَأْخِيرَ النِّدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنِّدَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَعْنًى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ الَّذِي بَعْدَ الزَّوَالِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَمَا قَدْ وَجَبَ إتْيَانُ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ نِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ :" الْبَيْعُ يَقَعُ مَعَ النَّهْيِ "، وَقَالَ مَالِكٌ :" الْبَيْعُ بَاطِلٌ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ ﴾ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِوُقُوعِهِ عَنْ تَرَاضٍ.
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ قِيلَ لَهُ : نَسْتَعْمِلُهُمَا فَنَقُولُ : يَقَعُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ :﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ وَيَقَعُ الْمِلْكُ بِحُكْمِ الْآيَةِ الْأُخْرَى وَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ؛ وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ بِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ وُقُوعَهُ وَصِحَّتَهُ، كَالْبَيْعِ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ يُخَافُ فَوْتَهَا إنْ اشْتَغَلَ بِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّتَهُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا هُوَ مِثْلُ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ حَاضِرٍ