الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ إذَا تَبَيَّنَ اللَّيْلُ سُنَّ الْفِطْرُ شَرْعًا، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ ؛ فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ لِعُذْرٍ أَوْ لِشُغْلٍ جَازَ، وَإِنْ تَرَكَهُ قَصْدًا لِمُوَالَاةِ الصِّيَامِ قُرْبَةً اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ ؛ فَمِمَّنْ رَآهُ جَائِزًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، كَانَ يَصُومُ الْأُسْبُوعَ وَيُفْطِرُ عَلَى الصَّبْرِ، وَرَآهُ الْأَكْثَرُ حَرَامًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ ضَعْفُ الْقُوَى وَإِنْهَاكُ الْأَبْدَانِ.
وَرَوَى الْأَئِمَّةُ، ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : فَإِنَّك تُوَاصِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيُّكُمْ مِثْلِي ؟ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي.
فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا وَيَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ، فَقَالَ : لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ ﴾، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، وَإِنَّمَا كَانَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْبَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا فَعَلُوهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا تُوَاصِلُوا ؛ فَأَيُّكُمْ أَرَادَ الْوِصَالَ فَلْيُوَاصِلْ، حَتَّى السَّحَرِ ﴾، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ، وَمَنْعٌ مِنْ إيصَالِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ.