الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي تَفْسِيرِ التَّهْلُكَةِ : فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لَا تَتْرُكُوا النَّفَقَةَ.
الثَّانِي : لَا تَخْرُجُوا بِغَيْرِ زَادٍ، يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.
الثَّالِثُ : لَا تَتْرُكُوا الْجِهَادَ.
الرَّابِعُ : لَا تَدْخُلُوا عَلَى الْعَسَاكِرِ الَّتِي لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهَا.
الْخَامِسُ : لَا تَيْأَسُوا مِنْ الْمَغْفِرَةِ ؛ قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ : هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهَا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ، وَقَدْ أَصَابَ إلَّا فِي اقْتِحَامِ الْعَسَاكِرِ ؛ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ.
فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ عُلَمَائِنَا : لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى الْجَيْشِ الْعَظِيمِ إذَا كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ وَكَانَ لِلَّهِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ فَذَلِكَ مِنْ التَّهْلُكَةِ.
وَقِيلَ : إذَا طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَخَلَصَتْ النِّيَّةُ فَلْيَحْمِلْ ؛ لِأَنَّ مَقْصِدَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمِنْ النَّاسِ مِنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : طَلَبُ الشَّهَادَةِ.
الثَّانِي : وُجُودُ النِّكَايَةِ.
الثَّالِثُ : تَجْرِيَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ.
الرَّابِعُ : ضَعْفُ نُفُوسِهِمْ لِيَرَوْا أَنَّ هَذَا صُنْعُ وَاحِدٍ، فَمَا ظَنَّك بِالْجَمِيعِ، وَالْفَرْضُ لِقَاءُ وَاحِدٍ اثْنَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ جَائِزٌ ؛ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.