الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : فِي تَحْقِيقِ جَوَابِ الشَّرْطِ مِنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ وَظَاهِرُهُ قَوْلُهُ :﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ﴾ وَبِهَذَا قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ ؛ وَإِنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى ذِي التَّفْرِيطِ ؛ وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ﴾ ؛ فَهُوَ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَتَعَلُّقٌ بِالْمَعْنَى.
الثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ.
وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ الْهَدْيَ تَطَوُّعًا، وَكَذَلِكَ كَانَ ؛ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ الْبَارِي تَعَالَى الْهَدْيَ وَاجِبًا مَعَ التَّفْرِيطِ وَمَعَ عَدَمِهِ عِبَادَةً مِنْهُ لِسَبَبٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
وَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ، وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْهَدْيُ مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْعُمْرَةِ وَيُهْدِي.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ فِي مَوْضِعِهِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا مَعْنَى لِلْآيَةِ إلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ، أَوْ الْحَصْرَ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ يَرْجِعُ الْجَوَابُ إلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ، أَمَّا أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَى بَعْضِهِ كَانَ جَائِزًا لِدَلِيلٍ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا.


الصفحة التالية
Icon