الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ ﴾ : الرَّفَثُ : كُلُّ قَوْلٍ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ النِّسَاءِ ؛ يُقَالُ : رَفَثَ يَرْفُثُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا.
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ ﴾.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا إذَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاءُ، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ الرَّجُلُ مُفْرِدًا عَنْهُنَّ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ فَإِنَّ الْحَجَّ مُنِعَ فِيهِ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالنِّكَاحِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، فَكَيْفَ بِالِاسْتِرْسَالِ عَلَى الْقَوْلِ يُذْكَرُ كُلُّهُ، وَهَذِهِ بَدِيعَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ ﴾ : أَرَادَ نَفْيَهُ مَشْرُوعًا لَا مَوْجُودًا، فَإِنَّا نَجِدُ الرَّفَثَ فِيهِ وَنُشَاهِدُهُ.
وَخَبَرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ النَّفْيُ إلَى وُجُودِهِ مَشْرُوعًا لَا إلَى وُجُودِهِ مَحْسُوسًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾.
مَعْنَاهُ شَرْعًا لَا حِسًّا، فَإِنَّا نَجِدُ الْمُطَلَّقَاتِ لَا يَتَرَبَّصْنَ، فَعَادَ النَّفْيُ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، لَا إلَى الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ إذَا قُلْنَا : إنَّهُ وَارِدٌ فِي الْآدَمِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِشَرْعٍ ؛ فَإِنْ وُجِدَ الْمَسُّ فَعَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ هِيَ الَّتِي فَاتَتْ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا : إنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَمَا وُجِدَ ذَلِكَ قَطُّ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً وَيَتَضَادَّانِ وَصْفًا.


الصفحة التالية
Icon