فَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِمِنًى لَمْ يُعَدَّ فِيهَا، وَصَارَتْ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةً سِوَى يَوْمِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدً الْإِطْلَاقِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ قَالَ حِينَئِذٍ عُلَمَاؤُنَا : الْيَوْمُ الْأَوَّلُ غَيْرُ مَعْدُودٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِمِنًى فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ وَلَا مِنْ الَّتِي عَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ :﴿ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ ﴾، وَكَانَ مَعْلُومًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾.
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ، وَكَانَ النَّحْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّابِعِ نَحْرٌ ؛ فَكَانَ الرَّابِعُ غَيْرَ مُرَادٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ مَعْلُومَاتٍ ﴾ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْحَرُ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُرْمَى فِيهِ ؛ فَصَارَ مَعْدُودًا فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ الرَّمْيِ، غَيْرَ مَعْلُومٍ لِعَدَمِ النَّحْرِ فِيهِ.
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مَعْدُودٌ بِالرَّمْيِ مَعْلُومٌ بِالذَّبْحِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا لَيْسَ مُرَادًا فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَا يَكُونُ كَمَا قُلْتُمْ يَوْمُ النَّحْرِ مُرَادًا فِي الْمَعْدُودَاتِ وَتَكُونُ الْمَعْدُودَاتُ أَرْبَعَةً وَالْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةً ؟ وَكَمَا يُعْطِي ذِكْرُ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةً كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَرْبَعَةً.
فَالْجَوَابُ : أَنَّا لَا نَمْنَعُ أَنْ يُسَمَّى بِمَعْدُودٍ وَلَا بِمَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ مَعْلُومٌ، وَكُلَّ مَعْلُومٍ مَعْدُودٌ، لَكِنْ يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِذِكْرِ الْمَعْدُودَاتِ هَاهُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا قَدَّمْنَا قَدْ


الصفحة التالية
Icon