تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ :﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ فَمَدَحَهُنَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِنَّ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الدَّمِ مَا كَانَ فِيهِ مَدْحٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِنَّ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَدْ ذَمَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَقَالَ :﴿ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، وَلَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى مَا تَقَدَّمَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ ؛ وَلَمْ يَجْرِ لِلتَّوْبَةِ ذِكْرٌ.
قُلْنَا : سَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
جَوَابٌ رَابِعٌ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : إنَّمَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا كَمَا قَدْ حَفِظْنَا مُوجِبَ الْغَايَةِ وَمُقْتَضَاهَا، فَهَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَايَةِ، فَأَمَّا إذَا قُرِنَ بِهَا الشَّرْطُ فَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَمَا تَقَدَّمَ.
جَوَابٌ خَامِسٌ : وَهُوَ أَنَّا نَقُولُ : إنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا مُوجَبَ الْغَايَةِ فَقَدْ حَمَلْتُمْ أَنْتُمْ اللَّفْظَ عَلَى التَّكْرَارِ، فَتَرَكْتُمْ فَائِدَةَ عَوْدِهِ، وَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَدَّدَةٍ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّكْرَارِ فِي كَلَامِ النَّاسِ، فَكَيْف كَلَامُ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ؟ جَوَابٌ سَادِسٌ : لَيْسَ حَمْلُكُمْ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِنَا قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُقْرَنَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ ؛ هَذَا جَوَابُ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ.
جَوَابٌ سَابِعٌ : وَذَلِكَ أَنَّا إذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ كُنَّا قَدْ حَفِظْنَا الْآيَةَ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالْأَدِلَّةَ مِنْ التَّنَاقُضِ ؛ وَإِذَا حَمَلْنَا ﴿ تَطَهَّرْنَ ﴾ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ كُنَّا قَدْ خَصَّصْنَا الْآيَةَ وَتَحَكَّمْنَا عَلَى مَعْنَى لَفْظِهَا بِمَا لَا يَقْتَضِيه وَلَا يَشْهَدُ لَهُ فَرْقٌ فِيهِ، وَتَنَاقَضْنَا فِي الْأَدِلَّةِ ؛ وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ أَوْلَى.
هَذَا جَوَابُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ


الصفحة التالية
Icon