وَلَمْ يَزُلْ الْحُكْمُ ؛ وَذَلِكَ لِفِقْهٍ ؛ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ وُجُودُ الْأَذَى، ثُمَّ لَمْ يَرْبِطْ زَوَالَ الْحُكْمِ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ حَتَّى ضَمَّ إلَيْهِ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ ؛ وَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ فَالْكَلَامُ مَعَهُمَا سَهْلٌ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، وَهُمَا تَفْسِيرُ الطُّهْرِ بِالِانْقِطَاعِ أَوْ الِاغْتِسَالِ ؛ وَلِذَلِكَ حَمَلْنَا قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاطَّهَّرُوا ﴾ عَلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْجُمْلَةِ ؛ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ أَوْ الْمَسْأَلَتَيْنِ ؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنْ نَقُولَ : الْحَيْضُ مَعْنًى يَمْنَعُ الصَّوْمَ ؛ فَكَانَ الطُّهْرُ الْوَارِدُ فِيهِ مَحْمُولًا عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ أَصْلُهُ الْجَنَابَةُ.
وَأَمَّا دَاوُد فَإِنَّا لَمْ نُرَاعِ خِلَافَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَيُضَلِّلُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْقِيَاسَ كَفَّرْنَاهُ ؛ فَإِنْ رَاعِينَا إشْكَالَ سُؤَالِهِ، قُلْنَا : هَذَا الْكَلَامُ هُوَ عَكْسُ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ وَهَذَا ضَمِيرُ النِّسَاءِ ؛ فَكَيْف يَصِحُّ أَنْ يَسْمَعَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ فَيَقُولُ : إنَّ وَطْأَهَا جَائِزٌ، مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ ؛ فَيُبِيحُ الْوَطْءَ قَبْلَ وُجُودِ غَايَتِهِ الَّتِي عَلَّقَ جَوَازَ الْوَطْءِ عَلَيْهَا.
وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِعِطْفٍ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ﴾ ؛ عَلَى قَوْله تَعَالَى ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ﴾ تَجِدُهُ صَحِيحًا ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ اعْتَزِلُوا جُمْلَةَ الْمَرْأَةِ كَانَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ﴾ عَامًّا فِيهَا، فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ رَاجِعًا إلَى جُمْلَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاعْتَزِلُوا ﴾ أَسْفَلَهَا مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : حَتَّى يَطْهُرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ كُلُّهُ ؛ وَلَا يَصِحُّ لَهُ ؛


الصفحة التالية
Icon