الْآيَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :﴿ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ، مُشْكِلَةٌ فِي النَّظَرِ ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأُصُولِ وَمِنْ الْفُرُوعِ بِالْكَلَامِ فِي الدَّمِ، وَفِي كُلِّ فَصْلٍ إشْكَالٌ، وَذَلِكَ يَنْحَصِرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ ذَلِكَ : رُوِيَ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا مَنْ قَتَلَ رَجُلًا غِيلَةً بِسَبَبٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ؛ وَطَرَحَهُ بَيْنَ قَوْمٍ، وَكَانَ قَرِيبُهُ، فَادَّعَى بِهِ عَلَيْهِمْ، تَرَافَعُوا إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ الْقَاتِلُ : قَتَلَ قَرِيبِي هَذَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، وَقَدْ وَجَدْتُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَانْتَفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَسَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِرَغْبَةٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَبْيِينِ الْحَقِّ لَهُمْ ؛ فَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ تَعَالَى ؛ فَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ وَأَخْذِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَيِّتُ فَيَحْيَا فَيُخْبِرُهُمْ بِقَاتِلِهِ ؛ فَسَأَلُوا عَنْ أَوْصَافِهَا وَشَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إلَى صِفَتِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، فَطَلَبُوا تِلْكَ الْبَقَرَةَ فَلَمْ يَجِدُوهَا إلَّا عِنْدَ رَجُلٍ بَرٍّ بِأَبَوَيْهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا ؛ فَطَلَبَ مِنْهُمْ فِيهَا مِسْكَهَا مَمْلُوءًا ذَهَبًا، فَبَذَلُوهُ فِيهَا، فَاسْتَغْنَى ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدَ فَقْرِهِ، وَذَبَحُوهَا فَضَرَبُوهُ بِبَعْضِهَا، فَقَالَ : فُلَانٌ قَتَلَنِي، لِقَاتِلِهِ.