طَلَّقْتُمُوهُنَّ } إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ فَذَكَرَ الْأَزْوَاجَ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ فَذَكَرَ النِّسْوَانَ ﴿ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ فَهَذَا ثَالِثٌ ؛ فَلَا يُرَدُّ إلَى الزَّوْجِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ وُجُودٌ، وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوَلِيُّ، فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ هَذَا إسْقَاطُ التَّقْدِيرِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِوَلِيَّتِهِ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِي يُبَاشِرُ الْعَقْدَ الْوَلِيُّ ؛ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أُصُولُ الْعَفْوِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا قَبْلُ، وَشَرَحْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْوَلِيَّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، فَهُوَ الْمُرَادُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَتَرَاضَيَانِ فَلَا يَنْعَقِدُ لَهُمَا أَمْرٌ إلَّا بِالْوَلِيِّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَسْتَقِلَّانِ بِعَقْدِهِمَا.
الثَّالِثُ : إنَّ مَا قُلْنَا أَنْظَمُ فِي الْكَلَامِ، وَأَقْرَبُ إلَى الْمَرَامِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَعْفُو، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْمَحْجُورَةَ لَا عَفْوَ لَهَا، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِسْمَيْنِ، وَقَالَ :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ إنْ كُنَّ لِذَلِكَ أَهْلًا، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يَتَصَرَّفَانِ فِي الْمَالِ وَيَنْفُذُ لَهُمَا الْقَوْلُ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ فِي الْمَالِ بِمَا