الْآيَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَصَصِ هَذِهِ الْآيَةِ : أَنَّ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا : الْجَرَادَةُ، تَكْرُمُ عَلَيْهِ وَيَهْوَاهَا، فَاخْتَصَمَ أَهْلُهَا مَعَ قَوْمٍ فَكَانَ صَغْوُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِأَهْلِ الْجَرَادَةِ، فَعُوقِبَ، وَكَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَوْ يَخْلُو بِإِحْدَى نِسَائِهِ أَعْطَاهَا خَاتَمَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ يَوْمًا فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى صُورَتَهُ عَلَى شَيْطَانٍ، فَجَاءَهَا فَأَخَذَ الْخَاتَمَ فَلَبِسَهُ، وَدَانَتْ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ لَهُ، وَجَاءَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْلُبُهُ، فَقَالَتْ : أَلَمْ تَأْخُذْهُ ؟ فَعَلِمَ أَنَّهُ اُبْتُلِيَ، وَعَلِمَتْ الشَّيَاطِينُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُومُ لَهَا ؛ فَاغْتَنَمَتْ الْفُرْصَةَ فَوَضَعَتْ أَوْضَاعًا مِنْ السِّحْرِ وَالْكُفْرِ وَفُنُونًا مِنْ النَّيْرَجَاتِ وَسَطَّرُوهَا فِي مَهَارِقَ، وَقَالُوا : هَذَا مَا كَتَبَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا كَاتِبُ نَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ، فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ : وَعَادَ سُلَيْمَانُ إلَى حَالِهِ، وَاسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَقَالَتْ الشَّيَاطِينُ لِلنَّاسِ : إنَّمَا كَانَ سُلَيْمَانُ يَمْلِكُكُمْ بِأُمُورٍ أَكْثَرُهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، فِيهَا عُلُومٌ غَرِيبَةٌ ؛ فَدُونَكُمْ فَاحْتَفِرُوا عَلَيْهَا، فَفَعَلُوا وَاسْتَثَارُوهَا، فَنَفَذَ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ فَصَارَ فِي أَيْدِيهِمْ،