الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ : السَّبِيلُ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَرَفَعُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَهُوَ أَيْضًا يَبْعُدُ مَعْنًى فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : الِاسْتِطَالَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لَكَانَ أَوْلَى فِي النَّفْسِ، فَإِنَّ السَّبِيلَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ مَا يَكْسِبُ سُلُوكَهَا، وَهِيَ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَوُجُودُ الْقُوتِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ زِيَادَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَدَنِ وَوُجُودِ الْقُوتِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ :" النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَاقَتِهِمْ وَيُسْرِهِمْ وَجَلَدِهِمْ ".
قَالَ أَشْهَبُ : أَهُوَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَدْرُ طَاقَةِ النَّاسِ، وَقَدْ يَجِدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السَّيْرِ، وَآخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلَا صِفَةَ فِي ذَلِكَ أَبَيْنُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهَذَا بَالِغٌ فِي الْبَيَانِ مِنْهُ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَوْ صَحَّ حَدِيثُ الْخُوزِيِّ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ، وَالْغَالِبُ مِنْهُمْ فِي الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ، وَخُرُوجُ مُطْلَقِ الْكَلَامِ عَلَى غَالِبِ الْأَحْوَالِ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا.


الصفحة التالية
Icon