الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي تَرْتِيبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ : ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ﴾.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَرِيبِ الْفِقْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فِي الْبَيَانِ بِالْأَخِيرِ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِاللِّسَانِ وَالْبَيَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالْيَدِ.
يَعْنِي أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَبَيْنَ مُتَعَاطِيهِ بِنَزْعِهِ وَبِجَذْبِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُقَاتَلَةٍ وَسِلَاحٍ فَلْيَتْرُكْهُ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إلَى السُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّ شَهْرَ السِّلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ قَدْ يَكُونُ مَخْرَجًا إلَى الْفِتْنَةِ، وَآيِلًا إلَى فَسَادٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، إلَّا أَنْ يَقْوَى الْمُنْكَرُ ؛ مِثْلُ أَنْ يَرَى عَدُوًّا يَقْتُلُ عَدُوًّا فَيَنْزِعُهُ عَنْهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَدْفَعَهُ، وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ قَتَلَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُسَلِّمُهُ بِحَالٍ، وَلْيُخْرِجْ السِّلَاحَ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ﴾ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَهُ فِي التَّغْيِيرِ دَرَجَةٌ.


الصفحة التالية
Icon