الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ ﴿ فِي الْيَتَامَى ﴾ فِي تَجْوِيزِ نِكَاحِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْمَرَ وَيَصِحَّ إذْنُهَا.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَتِنَا إذَا افْتَقَرَتْ أَوْ عَدِمَتْ الصِّيَانَةَ جَازَ إنْكَاحُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ.
وَالْمُخْتَارُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ يَتِيمَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ هِيَ امْرَأَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا يَتِيمَةٌ.
قُلْنَا : الْمُرَادُ بِهِ يَتِيمَةٌ بَالِغَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ﴾ وَهُوَ اسْمٌ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْكِبَارِ، وَكَذَلِكَ قَالَ :﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ﴾ فَرَاعَى لَفْظَ النِّسَاءِ، وَيُحْمَلُ الْيُتْمُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ لِلِاسْمِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أَرَادَ الْبَالِغَةَ لَمَا نَهَى عَنْ حَطِّهَا عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَارُ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ إجْمَاعًا.
قُلْنَا : إنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ ذَاتَ وَصِيٍّ.
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى اسْتِظْهَارِ الْوَلِيِّ عَلَيْهَا بِالرُّجُولِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ، فَيَسْتَضْعِفُهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَيَتَزَوَّجُهَا بِمَا شَاءَ، وَلَا يُمَكِّنُهَا خِلَافَهُ ؛ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْحَقِّ الْوَافِرِ.
وَقَدْ وَفَرَّنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّلْخِيصِ، وَرَوَيْنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ :﴿ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ﴾.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَلَا إذْنَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ :{ زَوَّجَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَجَاءَ الْمُغِيرَةُ إلَى أُمِّهَا فَرَغَّبَهَا فِي الْمَالِ فَرَغِبَتْ، فَقَالَ قُدَامَةُ : أَنَا عَمُّهَا وَوَصِيُّ أَبِيهَا، زَوَّجْتُهَا مِمَّنْ أَعْرِفُ فَضْلَهُ.
فَتَرَافَعُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ