الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ﴾ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ إلَى الْعَقْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ وَالصَّحِيحُ رُجُوعُهُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
التَّقْدِيرُ : انْكِحُوا مَنْ حَلَّ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ، وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَقْدِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : انْكِحُوا نِكَاحًا طَيِّبًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ قَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُبِيحُ لِلرَّجُلِ تِسْعَ نِسْوَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَثْنَى عِنْدَ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثُلَاثَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ مَرَّتَيْنِ، وَرُبَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْبَعٍ مَرَّتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ ظَاهِرِهِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّغَةِ إبَاحَةُ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً : لِأَنَّ مَجْمُوعَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ تِسْعَةٌ، وَعَضَّدُوا جَهَالَتَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ تَحْتَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَقَدْ كَانَ تَحْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعٍ، وَإِنَّمَا مَاتَ عَنْ تِسْعٍ، وَلَهُ فِي النِّكَاحِ وَفِي غَيْرِهِ خَصَائِصُ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، بَيَانُهَا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى : فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا لَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ نِكَاحِ التِّسْعِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكَلَامِ وَنِظَامِ الْمَعْنَى فِيهِ : فَلَكُمْ نِكَاحُ أَرْبَعٍ، فَإِنْ لَمْ تَعْدِلُوا فَثَلَاثَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْدِلُوا فَاثْنَتَيْنِ ؛ فَإِنْ لَمْ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ؛ فَنَقْلُ الْعَاجِزِ عَنْ هَذِهِ الرُّتَبِ إلَى مُنْتَهَى قُدْرَتِهِ، وَهِيَ الْوَاحِدَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحِلِّ، وَهِيَ الْأَرْبَعُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ تِسْعَ نِسْوَةٍ لَكَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : فَانْكِحُوا تِسْعَ نِسْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً، وَهَذَا مِنْ رَكِيكِ الْبَيَانِ الَّذِي لَا يَلِيقُ