الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا ﴾ فِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الِابْتِلَاءُ هُنَا الِاخْتِبَارُ، لِتَحْصُلَ مَعْرِفَةُ مَا غَابَ مِنْ عِلْمِ الْعَاقِبَةِ أَوْ الْبَاطِنِ عَنْ الطَّالِبِ لِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ الْيَتَامَى ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي وَجْهِ تَخْصِيصِ الْيَتَامَى : وَهُوَ أَنَّ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَمَصْلَحَتِهِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ يَحُوطُهُ، أَوْ لَا أَبَ لَهُ ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَمَا عِنْدَهُ مِنْ غَلَبَةِ الْحُنُوِّ وَعَظِيمِ الشَّفَقَةِ يُغْنِي عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَالِاهْتِبَالِ بِأَمْرِهِ.
فَأَمَّا الَّذِي لَا أَبَ لَهُ فَخُصَّ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرِهِ لِذَلِكَ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْأَبُ بِوَلَدِهِ الصِّغَارِ أَوْ الضُّعَفَاءِ فَإِنَّهُ يَبْتَلِيهِمْ وَيَخْتَبِرُ أَحْوَالَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي كَيْفِيَّةِ الِابْتِلَاءِ : وَهُوَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَتَأَمَّلُ أَخْلَاقَ يَتِيمِهِ، وَيَسْتَمِعُ إلَى أَغْرَاضِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِنَجَابَتِهِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِ، وَضَبْطِ مَالِهِ، أَوْ الْإِهْمَالُ لِذَلِكَ ؛ فَإِذَا تَوَسَّمَ الْخَيْرَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ الثَّانِي، وَيَكُونُ يَسِيرًا، وَيُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ ؛ فَإِنْ نَمَّاهُ وَأَحْسَنَ النَّظَرَ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِيَارُ، فَلْيُسْلِمْ إلَيْهِ مَالَهُ جَمِيعَهُ، وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إمْسَاكُ مَالِهِ عَنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :{