حَنِيفَةَ : يُقَارِضُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْكُلُ حَظَّهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ صَمِيمِ الْمَالِ بِمِقْدَارِ النَّظَرِ ؛ هَذَا إذَا كَانَ فَقِيرًا ؛ أَمَّا إذَا كَانَ غَنِيًّا فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِالْعِفَّةِ وَالْكَفِّ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَوْلُ عُمَرَ :" أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت تَرَكْت " أَلَيْسَ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إنْ كَانَ غَنِيًّا الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؟ قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ :" أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَالْوَصِيِّ، وَلَكِنَّ عُمَرَ بِوَرَعِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ كَالْوَصِيِّ.
الثَّانِي : أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْخُلَفَاءُ وَالْوُلَاةُ وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ لِنَازِلِهِمْ وَمُنْتَابِهِمْ ؛ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَفْعَلُونَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَكَيْف تَجِبُ الْأُجْرَةُ لَهُمْ ؛ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، وَالْفَرْضِيَّةُ تَنْفِي الْأُجْرَةَ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ عَمَلًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالسُّعَاةِ وَالْمُعَلِّمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : مَنْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا كُلِّهِ ؟ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : كَانَ الْأَيْتَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ :[ الْأَوَّلُ ] : يَتِيمٌ مَعْهُودٌ بِهِ، كَقَوْلِ سَعْدٍ : هُوَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ.
الثَّانِي : مَكْفُولٌ بِقَرَابَةٍ أَوْ جِوَارٍ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْكَافِلَ لَهُ نَاظِرٌ كَمَا لَوْ وَصَّى إلَيْهِ الْأَبُ، إلَّا أَنَّ الْكَافِلَ نَاظِرٌ فِي حِفْظِ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْهُودُ إلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ عَرِيًّا عَنْ كَافِلٍ وَوَصِيٍّ فَالْمُخَاطَبُ وَلِيُّ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ السُّلْطَانُ ؛ فَهُوَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَهُوَ وَلِيٌّ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ