الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ هَذَا قَوْلٌ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَنْ عَلَا مِنْ الْآبَاءِ دُخُولَ مَنْ سَفُلَ مِنْ الْأَبْنَاءِ فِي قَوْلِهِ :﴿ أَوْلَادِكُمْ ﴾ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا مَثْنَى، وَالْمَثْنَى لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْجَمْعَ.
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَالْأُمُّ الْعُلْيَا هِيَ الْجَدَّةُ، وَلَا يُفْرَضُ لَهَا الثُّلُثُ بِإِجْمَاعٍ ؛ فَخُرُوجُ الْجَدَّةِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَتَنَاوُلُهُ لِلْأَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ فِي قَوْلِهِ :﴿ أَوْلَادِكُمْ ﴾ بَيَانَ الْعُمُومِ، وَقَصَدَ هَاهُنَا بَيَانَ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْآبَاءِ وَهُمَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَتَفْصِيلُ فَرْضِهِمَا دُونَ الْعُمُومِ ؛ فَأَمَّا الْجَدُّ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ ؛ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَبًا، وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ يَا بَنِي آدَمَ ﴾ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَسَاقُهُ بَيَانُ التَّنْوِيعِ لَا بَيَانُ الْعُمُومِ، وَمَقَاصِدُ الْأَلْفَاظِ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ.
وَاَلَّذِي نُحَقِّقُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَخَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْجَدِّ ؛ فَإِنَّ الْأَخَ يَقُولُ : أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْجَدُّ يَقُولُ : أَنَا أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ، وَسَبَبُ الْبُنُوَّةِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْأُبُوَّةُ ؛ فَكَيْف يُسْقِطُ الْأَضْعَفُ الْأَقْوَى ؛ وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ طُيُولِيَّةٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ إيضَاحُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قِيَاسِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ؛ فَأَمَّا الْجَدَّةَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقَالَ لَهَا : لَا أَجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا ؛