يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهَا حَجْبَ نُقْصَانٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا لَا يَحْجُبَانِهَا ؛ وَغَرَضُهُ ظَاهِرٌ ؛ فَإِنَّ الْجَمْعَ خِلَافُ التَّثْنِيَةِ لَفْظًا وَصِيغَةً، وَهَذِهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّثْنِيَةِ.
وَمَنْ يَعْجَبُ فَعَجَبٌ أَنْ يَخْفَى عَلَى حَبْرِ الْأُمَّةِ وَتُرْجَمَانِ الْقُرْآنِ وَدَلِيلِ التَّأْوِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَسْأَلَتَانِ : إحْدَاهُمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَالْأُخْرَى مَسْأَلَةُ الْعَوْلِ ؛ وَعَضَّدَ هَذَا الظَّاهِرَ بِأَنْ قَالَ : إنَّ الْأُمَّ أَخَذَتْ الثُّلُثَ بِالنَّصِّ، فَكَيْف يَسْقُطُ النَّصُّ بِمُحْتَمَلٍ.
وَهَذَا الْمَنْحَى مَائِلٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ.
وَلِعُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ سَبِيلٌ مَسْلُوكَةٌ نَذْكُرُهَا وَنُبَيِّنُ الْحَقُّ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَنْطَلِقُ لَفْظُ الْإِخْوَةِ عَلَى الْأَخَوَيْنِ ؛ بَلْ قَدْ يَنْطَلِقُ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، تَقُولُ الْعَرَبُ : نَحْنُ فَعَلْنَا، وَتُرِيدُ الْقَائِلُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾ وَقَالَ :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ﴾ وَقَالَ :﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ وَقَالَ :﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ وَقَالَ :﴿ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ وَالرَّسُولُ وَاحِدٌ.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ يَعْنِي عَائِشَةَ، وَقِيلَ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ.
وَقَالَ :﴿ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ ﴾ وَكَانَا اثْنَيْنِ كَمَا نُقِلَ فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَالَ :﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾ وَهُمَا طَرَفَانِ.
وَقَالَ :﴿ إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ﴾ وَقَالَ :﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ وَقَالَ :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾ وَكَانَ وَاحِدًا.
وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ


الصفحة التالية
Icon