قُلْت : وَجَبَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ فَهَذَا مُحَالٌ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ، وَوُجُوبِهِ لَا عَلَى أَحَدٍ مُحَالٌ، وَكَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ كَذَلِكَ الْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِسْقَاطَ، وَلَيْسَ إيجَابُهُ ضَرُورَةَ الْإِسْقَاطِ، كَمَا يُقَالُ إنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلِابْنِ ضَرُورَةَ الْعِتْقِ ؛ فَإِنَّ الْعِتْقَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمِلْكِ، فَأَمَّا إسْقَاطُ الْمَهْرِ فَلَا يَقْتَضِي إثْبَاتَهُ، فَوَجَبَ أَلَّا يَجِبَ بِحَالٍ.
وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَصْلًا، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ وَلَا بُدَّ مِنْ مَالِكٍ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ مَالِكًا ؛ فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَعَادَ الْكَلَامُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ ؛ وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَمْلِكُ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : أَمَّا قَوْلُ الرَّازِيّ : إنَّهُ يَجِبُ وَيَسْقُطُ فَكَلَامٌ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَمْثِلَةٌ، مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا ؛ فَمِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ.
فَقَالَ سَيِّدُهُ : هُوَ حُرٌّ.
فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ كَلِمَةُ " هُوَ حُرٌّ " يَتَضَمَّنُ عَقْدَ الْبَيْعِ، وَوُجُوبَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُبْتَاعِ، ثُمَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَوُجُوبَ الْمِلْكِ لِلْمُبْتَاعِ، وَخُرُوجَهُ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ وَمِلْكَهُ وَالْعِتْقَ، وَيَجِبُ الْمِلْكُ ثُمَّ يَسْقُطُ.
كُلُّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ.
كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ : يَجِبُ الصَّدَاقُ هَاهُنَا لِحِلِّ الْوَطْءِ، ثُمَّ يَكُونُ مَا كَانَ.
وَمِمَّا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ إذَا اشْتَرَى الِابْنُ أَبَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُ الشِّرَاءِ وَيَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلِابْنِ، ثُمَّ يَسْقُطُ الْمِلْكُ وَيُعْتَقُ، وَيَجِبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَسْقُطُ، فَوُجُوبُهُ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْقِصَاصِ مِنْ الْعُدْوَانِ وَشَرْطُهُ


الصفحة التالية
Icon