الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مِنْ جُمْلَةِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بَيْعُ الْعُرْبَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْكَ السِّلْعَةَ وَيُعْطِيكَ دِرْهَمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهَا تَمَّمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا فَالدِّرْهَمُ لَكَ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : لَمَّا شُرِطَ الْعِوَضُ فِي أَكْلِ الْمَالِ وَصَارَتْ تِجَارَةً خَرَجَ عَنْهَا كُلُّ عَقْدٍ لَا عِوَضَ فِيهِ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ، وَجَازَتْ عُقُودُ الْبُيُوعَاتِ بِأَدِلَّةٍ أُخَرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : الرِّبْحُ هُوَ مَا يَكْتَسِبُهُ الْمَرْءُ زَائِدًا عَلَى قِيمَةِ مُعَوِّضِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الْعِوَضِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الرِّبْحُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ إلَى عَقْدِ الصَّفْقَةِ فَالزِّيَادَةُ أَبَدًا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَاجِ ؛ إنْ احْتَاجَ الْبَائِعُ أَعْطَى زَائِدًا عَلَى الثَّمَنِ مِنْ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ الْمُشْتَرِي أَعْطَى زَائِدًا مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ يَكُونُ يَسِيرًا فِي الْغَالِبِ، فَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ مُتَفَاوِتًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ ؛ فَأَجَازَهُ جَمِيعُهُمْ، وَرَدَّهُ مَالِكٌ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ إذَا كَانَ الْمَغْبُونُ لَا بَصَرَ لَهُ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَلِذَا جَوَّزَهُ فَرَاعَى أَنَّ الْمَغْبُونَ مُفْرِطٌ ؛ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَيُشَاوِرَ مَنْ يَعْلَمُ أَوْ يُوَكِّلَهُ، وَإِذَا رَدَدْنَاهُ فَلِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ؛ إذْ لَيْسَ تَبَرُّعًا وَلَا مُعَاوَضَةً ؛ فَإِنَّ الْمُعَاوَضَةَ عِنْدَ النَّاسِ لَا تَخْرُجُ إلَى هَذَا التَّفَاوُتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْخِلَابَةِ، وَالْخِلَابَةُ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا مَعَ ضَعْفِهَا كَالْغِلَابَةِ