آيَةٍ وَرَدَتْ فِي ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُدَايِنَةِ وَالْمُعَامَلَةِ إنَّمَا هِيَ مُطْلَقَةٌ لَا ذِكْرَ لِلْمَجْلِسِ فِيهَا وَلَا لِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ مِنْهَا ؛ كَقَوْلِهِ :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ ؛ فَإِذَا عَقَدَ وَلَمْ يُبْرِمْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ، وَإِذَا عَقَدَ وَرَجَعَ عَنْ عَقْدِهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْكَلَامِ وَالسُّكُوتِ فَرْقٌ، بَلْ السُّكُوتُ خَيْرٌ مِنْهُ، لِأَنَّهُ تَعَبٌ وَلَا الْتَزَمَ وَلَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ، فَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ، وَتَقَدَّمَ الْعُذْرُ، وَإِذَا عَقَدَ وَحَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ كَلَامُهُ تَعَبًا وَلَغْوًا، وَمَا الْإِنْسَانُ لَوْلَا اللِّسَانُ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِلِسَانِهِ عَنْ عَقْدِهِ وَرِضَاهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ :﴿ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾، فَإِذَا أَمْلَى وَكَتَبَ وَأَعْطَى الْأُجْرَةَ ثُمَّ عَادَ وَمَحَا مَا كَتَبَ كَانَ تَلَاعُبًا وَفَسْخًا لِعَقْدٍ آخَرَ قَدْ تَقَرَّرَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ :﴿ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾، وَإِذَا حَلَّهُ فَقَدْ بَخَسَهُ كُلَّهُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَشْهَدُونَ ؟ وَلَمْ يَلْزَمْ عَقْدٌ وَلَا انْبَرَمَ أَمْرٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إلَى أَجَلِهِ ﴾ يَلْزَمُ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ فَيُضِيفُ عَقْدًا إلَى غَيْرِ عَقْدٍ، وَيَرْتَهِنُ إلَى غَيْرِ وَاجِبٍ وَاعْتِبَارُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ لِهَذَا كُلِّهِ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُرَاعَى ؟ وَأَيُّ الْحَالَيْنِ أَقْوَى أَنْ يُعْتَبَرَ ؟ فَإِنْ قِيلَ : أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ فِي أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ كُلُّهُ.
قُلْنَا : الْغَالِبُ ضِدُّهُ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الشُّهُودِ حَتَّى يَقُومَ الْمُتَعَاقِدَانِ ؟ هَذَا لَمْ يُعْهَدْ وَلَمْ يُتَّفَقْ.
فَإِنْ تَعَلَّقُوا