هَذَا النَّفْيِ ؟ أَتَقُولُونَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّكْرُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ :﴿ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ وَهُوَ نَائِمٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ ﴾ ؛ فَهَذَا أَيْضًا الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعَهُ مَعْنًى، وَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا خِطَابٌ ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ : نَهَى عَنْ التَّعَرُّضِ لِلسُّكْرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الصَّلَاةِ قِيلَ لَكُمْ : إنَّ السُّكْرَ إذَا نَافَى ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ نَافَى اسْتِدَامَتَهُ.
وَإِنْ قُلْتُمْ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُنْتَشِي الَّذِي لَيْسَ بِسَكْرَانَ نُهِيَ أَنْ يُصَيِّرَ نَفْسَهُ سَكْرَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ أَيْ : فِي حَالِ سُكْرِكُمْ ؛ وَلَمَّا كَانَ الِاضْطِرَابُ فِي الْآيَةِ هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمُرَادُ بِهِ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ.
هَذَا نَصُّ كَلَامِ بَعْضِ مَنْ يُدَّعَى لَهُ التَّحْقِيقُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَذِهِ مِنْهُ غَفْلَةٌ ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَزِمَهُ فِي تَقْدِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ يَلْزَمُهُ فِي تَقْدِيرِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ.
وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلصَّاحِي، يُقَالُ لَهُ : لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ بِحَالٍ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تُصَلِّيَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ فَتَخْلِطَ كَمَا فَعَلَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ، فَلَمْ يَقْنَعْ بِهَا عُمَرُ.
وَالنَّهْيُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْمُحَرَّمَاتِ مَعْقُولٌ ؛ وَهَذَا الْخِطَابُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَاحٍ، فَإِذَا شَرِبَ وَعَصَى وَسَكِرَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ اللَّوْمُ وَالْعِقَابُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُخَاطَبَ الْمُنْتَشِي وَهُوَ يَعْقِلُ النَّهْيَ، لَكِنَّ اسْتِمْرَارَ الْأَفْعَالِ وَالْكَلَامِ وَانْتِظَامِهِ رُبَّمَا يَفُوتُهُ ؛ فَقِيلَ لَهُ : لَا تَفْعَلْ وَأَنْتَ مُنْتَشٍ أَمْرًا لَا تَقْدِرُ عَلَى نِظَامِهِ كُلِّهِ، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ يَأْخُذُ بِهَذَا مِنْ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْسِجُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مِنْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَمَا فِي