ذَلِكَ إلَى حَذْفٍ كَثِيرٍ وَتَأْوِيلٍ طَوِيلٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾.
قَالُوا : وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا تَأَوَّلْتُمْ فِي قَوْلِهِ :﴿ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ :﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾.
وَأَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا : إنَّ أَوَّلَ مَا يُحْفَظُ سَبَبُ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَتُحْفَظُ فَاتِحَتُهَا فَتُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا، حَتَّى نَرَى مَا يَرُدُّنَا عَنْهَا وَيَحْفَظُ لُغَتَهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : لَا تَقْرَبُوهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْمَكَانِ، فَكَيْفَ يُضْمَرُ الْمَكَانُ وَيُوصَلُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ؟ هَذَا مُحَالٌ.
وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ : لَا تُصَلُّوا سُكَارَى وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ الْعُبُورُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ ؟ قُلْنَا : بِأَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا، فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ بِالتَّيَمُّمِ جُنُبًا، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا يُسَمَّى الْمُسَافِرُ عَابِرِي سَبِيلٍ.
قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ، بَلْ يُقَالُ لَهُ عَابِرُ سَبِيلٍ حَقِيقَةً وَاسْمًا، وَالدُّنْيَا كُلُّهَا سَبِيلٌ تُعْبَرُ.
وَفِي الْآثَارِ :" الدُّنْيَا قَنْطَرَةٌ فَاعْبُرُوهَا وَلَا تَعْمُرُوهَا ".
وَقَدْ اتَّفَقُوا مَعَنَا عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ مَا قُلْتُمْ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِضْمَارِ الْكَثِيرِ.
قُلْنَا : إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ فِي تَفْهِيمِ مَنْ لَا يَفْهَمُ مَثَلُكَ، وَأَمَّا مَعَ مَنْ يَفْهَمُ فَالْحَالُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا كَمَا أَعْرَبَتْ الصَّحَابَةُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾.
فَلَيْسَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا إلَّا جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ


الصفحة التالية
Icon