الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ ﴾ : فِيهَا خِلَافٌ كَثِيرٌ، وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَمُتَعَلِّقَاتٌ مُخْتَلِفَاتٌ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الطَّوِيلَةِ ؛ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا مَا فِيهِ بِطُرُقِهِ الْبَدِيعَةِ، وَخُذُوا الْآنَ مَعْنًى قُرْآنِيًّا بَدِيعًا ؛ وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ : حَقِيقَةُ اللَّمْسِ إلْصَاقُ الْجَارِحَةِ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ عُرِفَ فِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّهَا آلَتُهُ الْغَالِبَةُ ؛ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كِنَايَةً عَنْ الْجِمَاعِ.
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ : اللَّمْسُ هُنَا الْجِمَاعُ.
وَقَالَتْ أُخْرَى : هُوَ اللَّمْسُ الْمُطْلَقُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا ؛ فَأَمَّا اللُّغَةُ فَقَدْ قَالَ الْمُبَرِّدُ : لَمَسْتُمْ : وَطِئْتُمْ، وَلَامَسْتُمْ : قَبَّلْتُمْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ، وَاَلَّذِي يَكُونُ بِقَصْدٍ وَفِعْلٍ مِنْ الْمَرْأَةِ هُوَ التَّقْبِيلُ، فَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا عَمَلَ لَهَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو : الْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعُ، وَاللَّمْسُ لِسَائِرِ الْجَسَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِقْرَاءٌ لَا نَقْلَ فِيهِ عَنْ الْعَرَبِ.
وَحَقِيقَةُ النَّقْلِ أَنَّهُ كُلَّهُ سَوَاءٌ ؛ ( وَإِنْ لَمَسْتُمْ ) مُحْتَمِلٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، كَقَوْلِهِ : لَامَسْتُمْ، وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لِفِعْلِ الرَّجُلِ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَعِفُّ : كَنَّى بِاللَّمْسِ عَنْ الْجِمَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ كُوفِيٌّ، فَمَا بَالُ أَبِي حَنِيفَةَ خَالَفَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَجَعَلْنَا لِكُلِّ قِرَاءَةٍ حُكْمَهَا، وَجَعَلْنَاهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَنَاقَضْ ذَلِكَ وَلَا تَعَارَضَ ؛ وَهَذَا تَمْهِيدُ الْمَسْأَلَةِ.
وَيُكْمِلُهُ وَيُؤَكِّدُهُ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَلَا جُنُبًا ﴾ أَفَادَ الْجِمَاعَ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ ﴾ أَفَادَ الْحَدَثَ