الْآيَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾.
الْآيَةُ فِيهَا [ ثَلَاثُ ] مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقِتَالَ ؛ لِاسْتِنْقَاذِ الْأَسْرَى مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ مَعَ مَا فِي الْقِتَالِ مِنْ تَلَفِ النَّفْسِ، فَكَانَ بَذْلُ الْمَالِ فِي فِدَائِهِمْ أَوْجَبَ، لِكَوْنِهِ دُونَ النَّفْسِ وَأَهْوَنَ مِنْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ ﴾.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَفْدُوا الْأَسَارَى بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا : عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَاسُوهُمْ، فَإِنَّ الْمُوَاسَاةَ دُونَ الْمُفَادَاةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ غَنِيًّا فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْفَادِي أَمْ لَا ؟ فِي ذَلِكَ لِعُلَمَائِنَا قَوْلَانِ ؛ أَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ مِنْ ذَلِكَ ؟.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُقَاتِلُهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قِتَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
فَإِنْ قَتَلَ الْمَانِعُ الْمَمْنُوعَ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى قِتَالٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ كَانَ فِي الْمَيِّتِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَانِعِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.
الثَّانِي : عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ.
الثَّالِثُ : الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :{ إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَرَمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُهُمْ