هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الصِّحَاحِ الْمَرْوِيَّةِ جَازَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
الثَّالِثُ : أَنَّ الَّذِي يُعْلَمُ تَقَدُّمُهُ وَيَتَحَقَّق تَأَخُّرُ غَيْرِهِ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِنَّمَا يَبْقَى التَّرْجِيحُ فِيمَا جُهِلَ تَارِيخُهُ.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي نَسْخِ الْفِعْلِ لِلْفِعْلِ فِي الْأُصُولِ فِي الْمَحْصُولِ، وَهَذَا كَانَ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ لَوْ لَا أَنَّا نَبْقَى فِي الْإِشْكَالِ بَعْدَ تَحْدِيدِ الْمُتَقَدِّمِ.
الرَّابِعُ : قَالَ قَوْمٌ : مَا وَافَقَ صِفَةَ الْقُرْآنِ مِنْهَا فَهُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَمَا خَالَفَهَا مَظْنُونٌ، وَلَا يُتْرَكُ الْمَقْطُوعُ بِهِ لَهُ، وَعَلَّقُوهُ بِنَسْخِ الْقُرْآنِ لِلسُّنَّةِ ؛ وَهَذَا مُتَعَلَّقٌ قَوِيٌّ، لَكِنْ يَمْنَعُ مِنْهُ الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا كَانَتْ لِيُجْمَعَ بَيْنَ التَّحَرُّزِ مِنْ الْعَدُوِّ وَإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ، فَكَيْفَمَا أَمْكَنَتْ فُعِلَتْ، وَصِفَةُ الْقُرْآنِ لَمْ تَأْتِ لِتَعْيِينِ الْفِعْلِ.
وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمُمْكِنَةِ، وَهَذَا بَالِغٌ.
الْخَامِسُ : تَرْجِيحُ الْأَخْبَارِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَهَا أَوْ مَزِيدِ عَدَالَتِهِمْ فِيهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَرَجَّحْنَا خَبَرَ سَهْلٍ وَصَالِحٍ، ثُمَّ رَجَّحْنَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ ؛ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَخَفَّ فِعْلًا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ أَحْفَظَ لِأُهْبَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ : السَّادِسُ : مِثَالُ ذَلِكَ إذَا صَلَّى صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي الْخَوْف.
قُلْنَا : نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ نُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ فِي الِانْتِظَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ : يُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَةً لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَهَا لَيْلَةَ الْهَرِيرِ.
وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ بِالسَّلَامِ بَعْدَ الْإِمَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ طُولٌ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذِهِ نُبْذَةٌ كَافِيَةٌ لِلْبَابِ الَّذِي تَصَدَّيْنَا إلَيْهِ.