سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ فِيهَا سِتّ وَعِشْرُونَ آيَة الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِ الْآمِرِ بِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ " الْمُشْكِلَيْنِ " الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآيَاتُهُ وَأَخْبَارُهُ وَشُرُوطُهُ وَفَائِدَتِهِ.
وَسَنُشِيرُ إلَى بَعْضِهِ هَاهُنَا فَنَقُولُ : الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْقَادِرُ يَلْزَمُهُ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ ؛ وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَالْأَخْبَارُ مُتَظَاهِرَةٌ، وَهِيَ فَائِدَةُ الرِّسَالَةِ وَخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ وِلَايَةُ الْإِلَهِيَّةِ لِمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَالَتْ الْمُبْتَدِعَةُ : لَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ إلَّا عَدْلٌ، وَهَذَا سَاقِطٌ ؛ فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَحْصُورَةٌ فِي قَلِيلٍ مِنْ الْخَلْقِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ.
فَإِنْ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ وَنَحْوِهِ.
قُلْنَا : إنَّمَا وَقَعَ الذَّمُّ هَاهُنَا عَلَى ارْتِكَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ، لَا عَنْ نَهْيِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقِيلَ لَهُ : هُمْ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، إنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى إتْيَانِهِمْ ﴾.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مِمَّنْ يَأْتِيه أَقْبَحُ مِمَّنْ لَا يَأْتِيه عِنْدَ فَاعِلِهِ فَيَبْعُدُ قَبُولُهُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَهِيَ أَصْلٌ، وَتَكُونُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَتَكُونُ فِي الْبَدَنِ إنْ احْتَاجَ إلَى


الصفحة التالية
Icon