الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِالْحَمْلِ : اعْلَمُوا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ أَنَّ الْحَمْلَ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِوُجُودِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَفْخٌ فِي الْبَطْنِ لِعِلَّةٍ وَحَرَكَةُ خَلْطٍ يَضْطَرِبُ، وَرِيحٌ يَنْبَعِثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدٍ ؛ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْبَطْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَةٍ، وَقَدْ يَشْكُلُ الْحَالُ ؛ فَإِنْ فَرَضْنَا غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي كَوْنِهِ حَمْلًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.
وَالثَّانِي : عَقْدٌ مُطْلَقٌ لَا عِوَضِيَّةَ فِيهِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ سَاقِطٌ فِيهِ إجْمَاعًا، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ ﴾.
وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا تَضَمَّنَ الْعِوَضَ وَجَبَ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْفَائِدَةِ الَّتِي بَذَلَ الْمَرْءُ فِيهَا مَالَهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُ تِلْكَ الْفَائِدَةِ كَانَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ الْمُجَرَّدُ مِنْ الْعِوَضِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهِ مُنْتَفٍ إذْ هُوَ تَبَرُّعٌ مُجَرَّدٌ ؛ فَإِنْ اتَّفَقَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ يَسْتَضِرَّ أَحَدٌ.