الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النَّفَقَةِ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَهِيَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ.
وَقِيلَ : هِيَ سُبُلُ الْخَيْرِ كُلُّهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْآيَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ بَخٍ، بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ.
ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْت مَا قُلْت فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ ﴾ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ : أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ جَاءَ بِفَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ سَبَلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ قَدْ قَبِلْت صَدَقَتَكَ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّمَا تَصَدَّقَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَرَابَةِ الْمُصَّدِّقِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّدَقَةَ فِي الْقَرَابَةِ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ.
الثَّانِي : أَنَّ نَفْسَ الْمُتَصَدِّقِ تَكُونُ بِذَلِكَ أَطْيَبَ وَأَسْلَمَ عَنْ تَطَرُّقِ النَّدَمِ إلَيْهَا.