الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : حَقِيقَةُ التَّحْرِيمِ الْمَنْعُ ؛ فَكُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ شَيْءٍ مَعَ اعْتِقَادِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ فَقَدْ حَرَّمَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ ؛ إمَّا بِنَذْرٍ كَمَا فَعَلَ يَعْقُوبُ فِي تَحْرِيمِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا ؛ وَإِمَّا بِيَمِينٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَسَلِ، أَوْ فِي جَارِيَتِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ بِنَذْرٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي شَرْعِنَا.
وَلَسْنَا نَتَحَقَّقُ كَيْفِيَّةَ تَحْرِيمِ يَعْقُوبَ ؛ هَلْ كَانَ بِنَذْرٍ أَوْ بِيَمِينٍ ؛ فَإِنْ كَانَ بِيَمِينٍ فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْيَمِينَ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ رُخْصَةً مِنْهُ لَنَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ.
فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ : حَرَّمْت الْخُبْزَ عَلَى نَفْسِي أَوْ اللَّحْمَ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينًا ؛ فَإِنْ قَالَ : حَرَّمْت أَهْلِي فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيمُ الْأَهْلِ إذَا ابْتَدَأَ بِتَحْرِيمِهَا كَمَا يُحَرِّمُهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيمُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :﴿ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾.


الصفحة التالية
Icon