الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّ مَنْ اقْتَرَفَ ذَنْبًا وَاسْتَوْجَبَ بِهِ حَدًّا، ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ عَصَمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ ) فَأَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَمْنَ لِمَنْ دَخَلَهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ.
وَكُلُّ مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ وَهِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ خَبَرٌ عَمَّا مَضَى، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا إثْبَاتُ حُكْمٍ مُسْتَقْبَلٍ.
الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْنَ قَدْ ذَهَبَ، وَأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا، وَخَبَرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْقَاضِي.
هَذَا وَقَدْ نَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ : إنَّهُ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُعَامَلُ وَلَا يُكَلَّمُ حَتَّى يَخْرُجَ، فَاضْطِرَارُهُ إلَى الْخُرُوجِ لَيْسَ يَصِحُّ مَعَهُ أَمْنٌ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَقَعُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا أَمْنَ أَيْضًا مَعَ هَذَا، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.


الصفحة التالية
Icon