الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلِّ عُضْوٍ : وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :﴿ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ يَدَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ﴾.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ " رَأَى ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ فَضْلِ يَدَيْهِ ﴾.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مُطْلَقًا ﴾.
وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً، وَالْمُقَيَّدُ أَوْلَى مِنْ الْمُطْلَقِ ؛ لِاحْتِمَالِ الْمُطْلَقِ وَتَنْصِيصِ الْمُقَيَّدِ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا : يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.
وَالثَّانِي : وُجُوبُ نَقْلِ الْمَاءِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ : نَشَأَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرَى نَفْسَهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَلَيْسَ مِنْهُ، مِنْ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مِنْ بَلَلِ لِحْيَتِهِ نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ ؛ فَيَكْفِي مِنْهُ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْيَدِ وَعَلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ ؛ فَأَمَّا نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ.