، فَأَخَذُوا مِنْهُمْ امْرَأَةً مُغَالَبَةً عَلَى نَفْسِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ فِيهَا فَاحْتَمَلُوهَا، ثُمَّ جَدَّ فِيهِمْ الطَّلَبُ فَأُخِذُوا وَجِيءَ بِهِمْ، فَسَأَلْتُ مَنْ كَانَ ابْتَلَانِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمُفْتِينَ، فَقَالُوا : لَيْسُوا مُحَارِبِينَ ؛ لِأَنَّ الْحِرَابَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي الْفُرُوجِ.
فَقُلْت لَهُمْ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَلَم تَعْلَمُوا أَنَّ الْحِرَابَةَ فِي الْفُرُوجِ أَفْحَشُ مِنْهَا فِي الْأَمْوَالِ، وَأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَيَرْضَوْنَ أَنْ تَذْهَبَ أَمْوَالُهُمْ وَتُحْرَبَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهمْ وَلَا يُحْرَبُ الْمَرْءُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَا قَالَ اللَّهُ عُقُوبَةٌ لَكَانَتْ لِمَنْ يَسْلُبُ الْفُرُوجَ، وَحَسْبُكُمْ مِنْ بَلَاءٍ صُحْبَةُ الْجُهَّالِ، وَخُصُوصًا فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ سَوَاءٌ فِي الْمِصْرِ وَالْبَيْدَاءِ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِمُطْلَقِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْحِرَابَةَ فِي الْبَيْدَاءِ أَفْحَشُ مِنْهَا فِي الْمِصْرِ لِعَدِمِ الْغَوْثِ فِي الْبَيْدَاءِ وَإِمْكَانِهِ فِي الْمِصْرِ.
وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْحِرَابَةَ عَامَّةٌ فِي الْمِصْرِ وَالْقَفْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْحَشَ مِنْ بَعْضٍ، وَلَكِنَّ اسْمَ الْحِرَابَةِ يَتَنَاوَلُهَا، وَمَعْنَى الْحِرَابَةِ مَوْجُودٌ فِيهَا، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضًا مَنْ فِي الْمِصْرِ لَقُتِلَ بِالسَّيْفِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِأَشَدِّ ذَلِكَ لَا بِأَيْسَرِهِ فَإِنَّهُ سَلَبَ غِيلَةً، وَفِعْلُ الْغِيلَةِ أَقْبَحُ مِنْ فِعْلِ الظَّاهِرَةِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَ الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْمُجَاهَرَةِ، فَكَانَ قِصَاصًا، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ، وَكَانَ حَدًّا ؛ فَتَحَرَّرَ أَنَّ قَطْعَ السَّبِيلِ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ فِي أَصَحِّ أَقْوَالِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَا يُوجِبُ إجْرَاءَ الْبَاغِي بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ خَاصَّةً مَجْرَى الَّذِي يَضُمُّ إلَيْهِ الْقَتْلَ وَأَخْذَ الْمَالِ، لِعَظِيمِ الزِّيَادَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى


الصفحة التالية
Icon