بُطْلَانَ ذَلِكَ بِمَا قَامَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا يَغْفِرُهَا الْبَارِّي سُبْحَانَهُ إلَّا بِمَغْفِرَةِ صَاحِبِهَا، وَلَا يُسْقِطُهَا إلَّا بِإِسْقَاطِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾.
فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَغْفِرَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ حَقٍّ.
قُلْنَا : هَذِهِ مَغْفِرَةٌ عَامَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْمَصْلَحَةِ فِي التَّحْرِيضِ لِأَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ ؛ فَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَرْبَابُهَا.
وَقَدْ ﴿ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهَادَةِ : إنَّهَا تُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ إلَّا الدَّيْنَ ﴾.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ حُكْمَهَا أَنَّهَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ : إنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَوَلَّى طَلَبَهَا، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهَا أَرْبَابُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَصَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لِمُعَيِّنِينَ مِنْ النَّاسِ فِي حُقُوقِهِمْ الْمُعِينَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَائِبُهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ الْمُجْمَلَةِ الْمُبْهَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ.
وَأَمَّا إنْ عَرَفْنَا بِيَدِهِ مَالًا لِأَحَدٍ أَخَذَهُ فِي الْحِرَابَةِ فَلَا نُبْقِيه فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ غَصْبٌ، وَنَحْنُ نُشَاهِدُهُ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكَرِ لَا يَجُوزُ، فَيَكُونُ بِيَدِ صَاحِبِهِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَأْخُذَهُ مَالِكُهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ وَأَخِيهِ الَّذِي يُوقِفُهُ الْإِمَامُ عِنْدَهُ.